اب لأول مرة............بقلم د/محمد سليمان

من الصعب أن تصف ما لا يوصف ..

الإحساس الذي تشعر به وأنت واقف كإناء الألمونيوم فوق شعلة البوتاجاز، في انتظار سماع الخبر من داخل غرفة

العمليات التي اختفت داخلها زوجتك بمفردها وبطنها أمامها مترين، إحساس لا يوصف، مهما مزجت مفردات القلق

بالترقب باللهفة بالخوف بالوجل بالتوتر بأي مشاعر أخرى ابتكر اللغة لها مصطلحات، سيظل هناك شىء ناقص ..

خصوصية فريدة للحظة لم تتصور أن تعيشها..

ما من لحظة مثل هذه مرت عليك من قبل على الإطلاق ..

إنك تتذكر كل شئ من البداية، وتجتر الذكريات ببطء على أمل أن تلهيك عن شراسة ما يلتهم قلبك النابض في قوة، رغم

علمك أن هذا صعب، صعوبة أن تصف ما لا يوصف، أو أكثر ..
تتذكر يا سيدي الفاضل كيف خفق قلبك لأول مرة عندما تعرفت على زوجتك، تتذكر أيامكما الأولى معًا وأنتما لا

تزالان في المدرسة صغارًا، ثم الأيام التي مرت بكما حتى دخلتما الجامعة، تشاجرتما وتصالحتما وتعاهدتما على ألا تكملا

المسيرة، أتت النهاية مبكرًا فقط لتفضي إلى بداية جديدة، وكان المكتوب أن تتم الخطبة في الجامعة، وأن يتم الزفاف بعد

التخرج مباشرة ليتحقق الحلم الرومانسي القديم، ويجتمع الشتيتان بعد أن ظنا كل الظن ألا تلاقيا ..

هل كان كل هذا فقط من أجل أن تجد نفسك الآن في المستشفى ؟

أكانت جميعها مجرد مقدمات تمهيدية لهذه اللحظة الفاصلة من حياتك ؟

كيف مرت السنين بهذه السرعة اللاهثة دون أن تشعر ؟!

وأسئلة أخرى تتداخل وتتقاطع لتساهم في تكثيف الضباب أمام عينيك وفي عقلك وحول عضلة القلب التي تواصل الخفقان القوي ..

سوف تصبح أبًا يا عزيزي، تخيل ..

سوف يمتد نسلك إلى المستقبل الغامض، وستكون مسئولا عن كائن حي، سوف يكبر أمام عينيك هو الآخر ببطء حتى

تجده يومًا وقد أصبح ناضجًا يريد الزواج والإنجاب، فهل يمتد بك العمر حتى تشهد هذه اللحظة المباغتة ؟

الحياة تمنحك أدق أسرارها يا عزيزي، وتلمس بنعومة أرق الأوتار في سراديب نفسك ..

الأبوة ..

طوال الشهور الماضية وأنت تهيؤ نفسك لهذا اليوم المشهود، منذ أتى خبر الحمل السعيد وأنت تحاول التأقلم على حقيقة

أنك ستحمل طفلا له ملامحك واسمك، وسترافقه في رحلة حياته كما سيرافقك هو في رحلة حياتك، فتتجلى آية التوحد الجميل بين الأب والابن ..

بالأحرى الابنة ..

أتت نتائج كشف الموجات الصوتية – أكثر من مرة وبتأكيد لا يقبل الشك من الطبيب المتابع – أن ذلك الشكل الهلامي

على شاشته المظلمة أنثى، ورغم أن مجتمعاتنا الشرقية تفضل إنجاب البنين إلا أنني شعرت بالراحة، إن تربية البنت في

وجهة نظري أسهل كثيرًا من تربية صبي، فهدوء البنت قابل للتحكم والسيطرة أكثر من جموح الولد، كما أن الابنة

بطبيعتها تحمل شحنة من المشاعر نحو أبيها وأمها بأكثر من مما يحمل الابن، وهو ما دعا جدتي لأمي أن تذكرني أكثر

من مرة (اللي ما خلفش بنت، ما خلفش يا بني

في الشهر السابع بدأت الاستعدادات القصوى لاستقبال الابنة المرتقبة، بدءًا من الملابس الوردية المزينة بالورود

والعصافير، وانتهاء بألعاب الدمى الخاصة بها، وحيرنا اختيار اسم مميز لها كثيرًا، فدخلت على الكثير من مواقع الانترنت

واشتريت كتابًا رخيصًا من على رصيف محطة أوتوبيس (ألماظة) كي نختار لها اسمًا يليق بها، ومن (لما) إلى (بانة)

إلى (تالا) إلى (جودي) إلى (بيسان) إلى (جمانة) إلى (تميمة) إلى (ديما) حيرنا اختيار الاسم المناسب الذي يرضي

جميع الأطراف، فاتفقنا على أن نلجأ لكتابة أكثر من اسم في أوراق مطوية، ثم نوقد الشموع أعلى كل ورقة، والشمعة

التي تنطفئ أولا يكون الاسم المكتوب في الورقة أسفلها من نصيب البنت المرتقبة ..

إلى يوم دخول زوجتي الحبيبة إلى المستشفى للولادة القيصرية التي يفضلها الأطباء لسهولتها وارتفاع سعرها عن الولادة

الطبيعية في الوقت نفسه، لم نكن قد اخترنا الاسم النهائي بعد، ولم أنم ليلتها من القلق، الذي تحول إلى هذه الحالة الفائقة للوصف بعد مرور الساعات..

سألوني : إنت مش دكتور ؟! ما دخلتش معاها ليه ؟!

وأجبتهم : صحيح أنا دكتور لكن ما باحبش الدم ولا الجراحة، فما بالك لما يكون ده حد عزيز عليك ؟

وفي الساعة الثانية ظهرًا من ذلك النهار الرمضاني خرجت الممرضة من غرفة العمليات تهتف كأنها قد فتحت عكا : ولد .. ولد ..

ولد ؟؟؟؟؟وكان هذا إيذانًا بمرحلة جديدة تمامًا، ربما تعجز اللغة عن وصفها هي الأخرى

شكرا على الموضوع يا دودااااااااااا الموضوع تحفه واسألى باباكى كان ايه احساسه ومامتك حامل فيكى اكيد كان فرحان طبعا زى بابايا دول حتى بيتهيالى احتفلوا بيا طبعا

طبعا يا دينا ..............الناس كلها كانت فرحانة بينا.. ..دا احنا زعماء الامة..